فصل: ذكر عزل عاصم عن خراسان وولاية أسد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.سنة خمس عشرة ومائة:

في هذه السنة غزا معاوية بن هشام أرض الروم. وفيها وقع الطاعون بالشام. وفيها وقع بخراسان قحط شديد، فكتب الجنيد إلى الكور بحمل الطعام إلى مرو، فأعطى الجنيد رجلاً درهما فاشترى به رغيفاً، فقال لهم: أتشكون الجوع ورغيف بدرهم؟ لقد رأيتني بالهمد وإن الحبة من الحبوب لتباع عدداً بدرهم.
قال: وحج بالناس هذه السنة محمد بن هشام المخزومي. وكان الأمير بخراسان الجنيد، وقيل: بل كان قد مات الجنيد واستخلف عمارة بن حريم المري، وقيل: بل كان موت الجنيد سنة ست عشرة ومائة وفيها غزا عبد الملك بن قطن عامل الأندلس أرض البشكنس وعا سالماً. ثم دخلت:

.سنة ست عشرة ومائة:

في هذه السنة غزا معاوية بن عبد الملك أرض الروم الصائفة. فيها كان طاعون شديد بالعراق والشام، وكان أشد بواسط.

.ذكر عزل الجنيد ووفاته وولاية عاصم خراسان:

وفيها عزل هشام بن عبد الملك الجنيد بن عبد الرحمن المري عن خراسان. واستعمل عليها عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي.
وسبب ذلك أن الجنيد تزوج الفاضلة بنت يزيد بن المهلب، فغضب هشام فولى عاصم خراسان. وكان الجنيد قد سقي بطنه، فقال هشام لعاصم: إن أدركته وبه رمق فأرهق نفسه. فقدم عاصم وقد مات الجنيد، وكان بينها عداوة، فاخذ عمارة بن حريم، وكان الجنيد قد استخلفه، وهو ابن عمه، فعذبه عاصم وعذب عمال الجنبد.
وعمارة هذا جد أبي الهيذام صاحب العصبية بالشام، وسيأتي ذكرها إن شاء الله.
وكان موت الجنيد بمرو، وكان من الأجواد المدوحين غير محمود في حروبه.

.ذكر خلع الحارث بن سريج بخراسان:

وفي هذه السنة خلع الحارث بن سريج وأقبل إلى الفارياب، فأرسل إليه عاصم بن عبد الله رسلاً فيهم مقاتل بن حيان النبطي وخطاب بن محرز السلمي فقالا لمن معهما: لا تلقى الحارث إلا بأمان. فأبى القوم عليهما، فأخذهم الحارث وحبسهم ووكل بهم رجلاً، فأوثقوه وخرجوا من السجن فركبوا وعادوا إلى عاصم، فامرهم، فخطبوا وذموا الحارث وذكروا خبث سيرته وغدره. وكان الحارث قد لبس السواد ودعا إلى كتاب الله سنة نبيه والبيعة للرضا، فسار من الفارياب فأتى بلخ، وعليها نصر بن سيار التجيبي، فلقيا الحارث في عشرة آلاف والحارث في أربعة آلاف فقاتلهما ومن معهما، فانهزم أهل بلخ وتبعهم الحارث، فدخل كدينة بلخ، وخرج نصر بن سيار منها، وأمر الحارث بالكف عنهم واستعمل عليها رجلاً من ولد عبد الله بن خازم وسار إلى الجوزجان فغلب عليها وعلى الطالقان ومرو الروز.
فلما كان بالجوزجان استشار أصحابه في أي بلد يقصد، فقيل له: مرو بيضة خراسان وفرسانهم كثير ولو لم يلقوك إلا بعيدهم لا نتصفوا منك، فأقم فإن أتوك قاتلتهم، وإن أقاموا قطعت المادة عنهم. قال: لا أرى ذلك، وسار إلى مرو فقال لأهل الرأي من مرو: إن أتى عاصم نيسابور فرق جماعتنا، وإن أتانا نكب.
وبلغ عاصماً أن أهل مرو يكاتبون الحارث فقال: يا أهيل مرو قد كاتبتم الحارث لا يقصد المدينة إلا تركتموها له، وإني لا حق بنيسابور وأكاتب أمير المؤمنين حتى يمدني بعشرة آلاف من أهل الشام. فقال له المجشر بن مزاحم: إن أعطوك بيعتهم بالطلاق والعتاق على القتال معك والمناصحة لك فلا تفارقهم.
وأقبل الحارث إلى مرو يقال في ستين ألفاً ومعه فرسان الأزد وتميم، منهم: محمد بن المثنى، وحماد بن عامر الحماني، وداود الأعسر، وبشر بن أنيف الرياحي، وعطاء الدبوسي، ومن الدهاقين دهقان الجوزجان ودهقان الفارياب وملك الطالقان ودهقان مرو الوذ في أشباههم، وخرج عاصم في أهل مرو وغيهم فعسكر، وقطع عاصم القناطر، وأقبل أصحاب الحارث فأصلحوا القناطر، فمال محمد بن المثنى الفراهيذي الأزدي إللى عاصم في ألفين فأتى الأزد، ومال حماد بن عامر الحماني إلى عاصم فأتى بني تميم، والتقى الحارث وعاصم، وعلى ميمنة الحارث وابض بن عبد الله زرارة التغلي، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم أصحاب الحارث فغرق منهم بشر كثير في أنهار مرو وفي النهر الأعظم ومضت الدهاقين إلى بلادهم، وغرق خازم بن عبد الله ابن خازم، وكان مع الحارث، وقتل أصحاب الحارث قتلاً ذريعاً، وقطع الحارث وادي مرو فضرب رواقا عند منازل الرهبان، وكف عنه عاصم، واجتمع إلى الحارث زهاء ثلاثة ألاف.

.ذكر عدة حوادث:

وفيها عزل هشام عبيد الله بن الحبحاب الموصلي عن ولاية مصر واستعمله على إفريقية، فسار إليها. وفيها سير ابن الحبحاب جيشاً إلى صقلية، فلقيهم مراكب الروم فاققتلوا قتالاً شديداً، فانهزمت الروم، وكانوا قد أسوا جماعة من المسلمين، منهم عبد الرحمن بن زياد، فبقي أسيراً إلى سنة إحدى وعشرين ومائة، وفيها سير ابن الحبحاب أيضاً جيشاً إلى السوس وأرض السودان فغنموا وظفروا وعادوا. وفيها استعمل عبد الله بن الحبحاب عطية بن الحجاج القيسي على الأندلس، فسار إليها ووليها في شوال من هذه السنة وعزل عبد الملك ابن قطن، وكان له كل سنة غزاة، وعو الذي افتتح جليقية والبتة وغيرهما،وقيل: بل ولي عبيد الله بن الحبحاب إفريقة سنة سبع عشرة، وسترد أخباره هناك، وهذا أصح.
وحج بالناس هذه السنة الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وكان ولي عهد. وكان العمال على الأمصار من تقدم ذكرهم إلا خراسان فكان عاملها عاصم بن عبد الله. ثم دخلت:

.سنة سبع عشرة ومائة:

في هذه السنة غزا معاوةً بن هشام الصائفة اليسرى، وغزا سليمان بن هشام الصائفة اليمنى من نحو الجزيرة، وفرق سراياه في أرض الروم. وفيها بعث مروان بن محمد، وهو على أرمينية، بعثين، وافتحح أحدهما حصوناً ثلاثة من اللان، نزل الآخر على تومانشاه فنزل أهلها على الصلح.

.ذكر عزل عاصم عن خراسان وولاية أسد:

وفي هذه السنة عزل هشام بن عبد الملك عاصم بن عبد الله عن خراسان وولاها خالد بن عبد الله القسري، فاستخلف خالد عليها أخاه أسد بن عبد الله.
وكان سبب ذلك أن عاصماً كتب إلى هشام: أما بعد فإن الرائد لا يكذب أهله، وإن خراسان لا تصلح إلا أن تضم إلى صاحب العراق فتكون موادها ومعونتها من قريب لتباعد أمير المؤمنين عنها. وتباطؤ غياثه عنها.فضم هشام خرسان إلى خالد بن عبدالله القسري،وكتب اليه: ابعث أخاك يصلح ماأفسد،فإن كانت سببه كانت به،فسير خالد اليها أخاه اسداَ.فلما بلغ عاصما إقبالً أسد وأنه قد سير على مقدمت محمد بنمالك الهمدانى صالح الحرث بن سُريج وكتبا بنهما كتاباَ على أن ينزل الحارث أي كُور خرسان شاء وان يكتبا جميعاً إلى هشام يسألانه بكتاب الله وسنة نبيه،صلى الله عليه وسلم،فإن ابى اجتمعا عليه، فختم الكتاب بعض الرؤساء، وابى يحيى بن حضين بن المنذر أن يختم وقال: هذا خلع لأمير المؤمنين،فأنفسخ ذلك.
وكان عاصم بقرية بأعلى مرو، وأتاه الحارث بن سريج فالتقوا واقتتلوا قتالاً شيداً، فانهزم الحارث وأسر من أصحابه أسرى كثيرة، منهم عبد الله بن عخمرو المازني راس أهل مرو الروذ، فقتل عاصم الأسرى، وكان فرس الحارث قد رمي بسهم فنزعه الحارث وألح على الفرس بالضرب والحضر ليشغله عن أثر الجراحة، وحمل عليه رجل من أهل الشام، فلما قرب منه مال الحارث عن فرسه ثم ابتع الشامي فقال له: أسألك بحرمة الإسلام في دمي! فقال: انزل عن فرسك. فنزل عن فرسه، فركبه الحارث؛ فقال رجل من عبد القيس في ذلك:
تولت قريش لذة العيش واتقت ** بنا كل فج من خراسان أغبرا

فليت قريشاً أصبحوا ذات ليلةٍ ** يعومون في لج من البحر أخضرا

وعظم أهل الشام يحيى بن حضين لما صنع في نقض الكتاب وكتبوا كتاباً بما كان وبهزيمة الحارث مع محمد بن مسلم العنبري. فلقي أسد بن عبد الله بالري، وقيل ببيهق، فكتب إلى أخيه خالد ينتحل أنه هزم الحارث ويخبره بأمر يحيى، فأجاز خالد يحيى بعشرة آلاف دينار ومئة من الخيل. وكانت ولاية عاصم أقل من سنة، فحبسه أسد وحاسبه وطلب منه مائة ألف درهم وقال: إنك لم تفر، وأطلق عمارة بن حريم وعمال الجنيد.
فلما قدم أسد لم يكن لعاصم إلا مرو ونيسابور والحارث بمرو الروذ وخالد ابن عبد الله الهجري بآمل موافق للحارث، فخاف أسد إن قصد الحارث بمرو الروذ أن يأتي الهجري من قبل آمل، وإن قصد الهجري قصد الحارث مرو من قبل مرو الروذ. فأجمع على توجيه عبد الرحمن بن نعيم في أهل الكوفة والشام إلى الحارث بمرو الروذ، وسار أسد بالناس إلى آمل، فلقيه خيل آمل عليهم زياد القرشي مولى حيان النبطي وغيره فهزموا حتى رجعوا إلى المدينة، فحصرهم أسد ونصب عليهم المجانيق وعلين الهجري من أصحاب الحارث، فلطلبوا الأمان، فأرسل إليهم أسد: ما تطلبون؟ قالوا: كتاب الله وسنة نبيه، صلى الله عليه وسلم، وأن لا تأخذ أهل المدن بجنيتنا.
فأجابهم إلى ذلك، فاستعمل عليهم يحيى بن نعيم بن هبيرة الشيباني وسار يريد بلخ، فأخبر أن أهلها قد بايعوا سليمان بن عبد الله بن خازم. فسار حتى قدمها واتخذ سفناً وسار منها إلى ترمذ، فوجد الحارث محاصراً لها وبها سنان الأعرابي، فنزل أسد دون النهر لم يطق العبور إليهم ولا يمدهم، وخرج أهل ترمذ من المدينة فقاتلوا الحارث قتالاً شديداً، واستطرد الحارث لهم، وكان قد وضع كيمناً، فتبعوه، ونصر بن سيار مع أسد جالس ينظر، فاظهر الكراهية، وعرف أن الحارث قد كادهم، وظن أسد أنما ذلك شفقة على الحارث حين ولي، وأراد معاتبة نصر، وإذا الكمين قد خرج عليهم فانهزموا.
ثم ارتحل أسد إلى بلخ، وخرج أهل ترمذ إلى الحارث فهزموه وقتلوا جماعة من أهل البصائر، منهم: عكرمة وأبو فاكمة. ثم سار أسد سمرقند في طريق زم، فلما قد زم بعث إلى الهيثم الشيباني، وهو في حصن من حصونها، وهو من أصحاب الحارث، فقال له أسد: إنما أنكرتم علي قولكم ما كان من سوء السيرة ولم يبلغ ذلك السبي واستحلال الفروج ولا غلبة المشركين على مثل سمرقند، وأنا أريد سمرقند ولك عهد الله وذمته أن لا ينالك مني شر، ولك المواساة والكرامة والأمان ولمن معك، وإن أبيت ما دعوتك إليه فعلي عهد الله إن أنت رميت بسهم أن لا أؤمنك بعده، وإن جعلت لك ألف أمان لا أفي لك به. فخرج إليه على الأمان وسار معه إلى سمرقند، ثم ارتفع إلى ورغسر، وماء سمرقند قمها، فسكر الوادي وصرفه عن سمرقند، ثم رجع إلى بلخ.
وقيل: إن أمر أسد وأصحاب الحاث كان سنة ثماني عشرة.

.ذكر حال دعاة بني العباس:

قيل: وفي هذه السنة أخذ أسد بن عبد الله جماعة من دعاة بني العباس بخراسان فقتل بعضهم ومثل بعضهم وحبس بعضهم، وكان فيمن أخذ: سليمان بن كثير، ومالك بن الهيثم، وموسى بن كعب، ولا هيز بن قريظ، وخالد بن إبراهيم، وطلحة بن زريق، فأتي بهم، فقال لهم: يا فسقة ألم يقل الله تعالى: {عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه} المائدة: 95؟ فقال له سليمان: نحن والله كما قال الشاعر:
لو بغير الماء حلقي شرق ** كنت كالغصان بالماء اعتصاري

صيدت والله العقارب بيديك! إنا ناس من قومك! وإن المضربة رفعوا إليك هذا لأنا كنا أشد الناس على قتيبة بن مسلم فطلبوا بثأرهم. فبعث بهم إلى الحبس، ثم قال لعبد الرحمن بن نعيم: ما ترى؟ قال: أرى أتن تمن بهم على عشائرهم. قال: لا أفعل، فاطلق من كان فيهم من أهل اليمن لأنه منهم ومن كان من ربيعة أطلقه أيضاً لحلفهم مع اليمن، وأراد قتل من كان من مضر، فدعا موسى بن كيعب وألجمه بلجام حمار وجذب اللجام فتحطمت أسنانه ودق وجهه وأنفه، ودعا لاهز بن قريظ فقال له: ما هذا بحق، تصنع بنا هذا وتترك اليمانيين والربعيين؟ فضربه ثلاثمائة سوط، فشهد له الحسن بن زيد الأزدي بالبراءة ولأصحابه فتركهم.

.ذكر ولاية عبيد الله بن الحبحاب إفريقية والأندلس:

في هذه السنة استعمل هشام بن عبد الملك على إفريقة والأندلس عبيد الله ابن الحبحاب وأمره بالمسير إليها، وكان والياً على مصر، فاستخلف عليها ولده وسا إلى إفريقية، وايتعمل على الأندلس عقبة بن الححجاج، واستعمل على طنجة ابنه إسماعيل، وبعث حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع غازياً إلى المغرب، فبلغ السوس الأقصى وأرض السودان فلم يقالتله أحد إلا ظهر عليه، وأصاب من الغنائم والسبي أمراً عظيماً، فملئ المغرب منه رعباً، وأصاب في السبي جارتيتين من البربر ليس لكل واحدة منهما غير ثدي واحد، ورجع سالماً. وسير جيشاً في البحر سنة سبع عشرة إلى حزيرة الردانية، ففتحوا منها ونهبوا وغنموا وعادوا. ثم سيره غازباً إلى جزيرة صقلية سنة اثنتين وعشرين ومائة ومعه ابنه عبد الرحمن بن حبيب، فلما نزل بأرضها وجه عبد الرحمن على الخيل فلم يلقه أحد إلا هزمه عبد الرحمن، فظفر ظفراً لم ير مثله، حتى نزل على مدينة سرقوسة، وهي من أعظم مدن صقلية، فقاتلوه فهزمهم وحصرهم، فصالحوه على الجزية، وعاد إلى أبيه، وعزم حبيب على المقام بصقلية إلى أن يملكها جميعاً، فأتاه كتاب ابن الحبحاب يتدعيه إلى إفريقية.
وكان سبب ذلك أنه استعمل على طنجة ابنه إسماعيل وجعل معه عمر ابن عبد الله المرادي، فأساء السيرة وتعدى وأراد أن يخمس مسلمي البربر، وزعم أنهم فيء للمسلمين، وذلك شيء لم يرتكبه أحد قبله، فلما سمع البربر بمسير حبيب بن أبي عبيدة إلى صقلية بالعساكر طمعوا ونقضوا الصلح على ابن الحبحاب وتداعت عليه بأسرها ملمها وكافرها، وعظم البلاء، وقدم من بطنجة من البربر على أنفسهم ميسرة السقاء قم المغدوري، وكان خارجياً صفرياً وسقاء، وقصدوا طنجة، فقالتلهم عمر بن عبد الله فقتلوه واستولوا على طنجة وبايعوا ميسرة بالخلافة وخوطب بأمير المؤمنين وكثر جمعه من البربر وقوي أمره بنواحي طنجة.
وظهر في ذلك الوقت جماعة بإفريقية فأظهروا مقالة الخوارج، فأرسل ابن الحبحاب إلى حبيب وهو بصقلية يتسدعيه إليه لقتال ميسرة الساء لأن أمره كان قد عظم، فعاد إلى إفريقية.
وكان ابن الحبحاب قد سير خالد بن حبيب في جيش إلى ميسرة، فلما وصل حبيب بن أبي عبيدة سيره في أثره، والتقى خالد وميسرة بنواحي طنجة واقتتلوا قتالاً شديداً لم يسمع بمثله، وعاد ميسرة إلى طنجة، فأنكرت البربر سيرته، وكانوا بايعوه بالخلافة، فقتلوه وولوا أمرهم خالد بن حميد الزناتي، ثم التقى خالد بن حميد ومعه البربر بخالد بن حبيب ومعه العرب وعسكر هشام،، وكان بينهم قتال شيد صبرت فيه العرب، وظهر عليهم كمين من البربر فانهزموا، وكره خالد بن حبيب أن يهزم من البربر فصبروا معه فقتلوا جيمعهم.
وقتل في هذه الوقعة حماة العرب وفرسانها، فسميت غزوة الأشراف، وانتقضت البلاد وخرج أمر الناس، وبلغ أهل الأندلس الخبر فثاروا بأميرهم عقبة بن الحجاج فعزلوه وولوا عبد الملك بن قطن، فاختلطت الأمور على ابن الحبحاب، وبلغ الخبر إلى هشام بن عبد الملك، فقال: لأغضبن للعرب غضبة وأسير جيشاً يكون أولهم عندهم وآخرهم عندي؛ ثم كتب إلى ابن الحبحاب يأمره بالحضور، فسار إليه في جمادى سنة ثلاث وعشرين ومائة، واستعمل هشام عوضه كلثوم بن عياض القشيري وسير معه جيشاً كثيفاً، وكتب إلى سائر البلاد التي على طريقه بالمسير معه، فوصل إفريقية وعلى مقدمته بلج بن بشر، فوصل إلى القيروان ولقي أهلها بالجفاء والتكبير عليهم، وأراد أن ينزل العسكر الذي معه في منازلهم، فكتب أهلها إلى حبيب بن أبي عبيدة، وهو بتلمسان مواقف البربر، يشكون إليه بلجاً وكلثوماً، فكتب حبيبب إلى كلثوم يقول له إن بلجاً فعل كيت وكيت فارحل عن البلد وإلا رددنا أعنة الخيل إليك.
فاعتذر كلثوم وسار إلى حبيب وعلى مقدمته بلج بن بشر، فاستخف بحبيب وسبه وجرى بينهما منازعة ثم اصطلحوا واجتمعوا على قتلا البربر، وتقدم إليهم البربر من طنجة، فقال لهم حبيب: اجعلوا الرجالة للرجالة والخيالة للخيالة، فلم يقبلوا منه، وتقدم كلثوم بالخيل، فقاتله رجالة البربر فهزموه، فعاد كلثوم منهزماً، ووهن الناس ذلك ونشب القتال، وانكشفت خيالة البربر وثبتت رجالتها واشتد القتال وكثر البربر عليهم، فقتل كلثوم بن عياض وحبيب بن أبي عبيدة ووجوه العرب، وانهزمت العرب وتفرقوا. فمضى أهل الشام إلى الأندلس ومعهم بلج بن بشر وعبيد الرحمن بن حبيب ابن أبي عبيدة، وعاد بعضهم إلى القيروان.
فلما ضعفت العرب بهذه الوقعة ظهر إنسان يقال له عكاشة بن أيوب الفزاري بمدينة قابس، وهو على رأي الخوارج الصفرية، فسار إليه جيش من القيروان فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم عسكر القيروان، فخرج إليه عسكر آخر فانهزم عكاشة بعد قتال شديد وقتل كثير من أصحابه، ولحق عكاشة ببلاد الرمل.
فلما بلغ هشام بن عبد الملك قتل كلثوم بعث أميراً على إفريقية حنظلة ابن صفوان الكلبي، فوصلها في ربيع الآخر سنة أربع وعشرين ومائة، فلم يمكث بالقيروان إلا يسيراً حتى زحف إليه عكاشة الخارجي في جمع عظيم من البربر، وكان حين انهزم حشدهم ليأخذ بثأره وأعانه عبد الواحد بن يزيد الهواري ثم المدغمي، وكان صفرياً، في عدد كثير وافترقا ليقصدوا القيروان من جهتين، فلما قرب عكاشة خرج إليه حنظلة ولقيه مفرداً واقتتلوا قتالاً شديداً، وانهزم عكاشة وقتل من البربر ما لا يحصى، وعاد حنظلة إلى القيروان خوفاً عليها من عبد الواحد، وسير إليه جيشاً كثيفاً عدتهم أربعون ألفاً، فساروا إليه، فلما قاربوه لم يجدوا شعيراً يطعمونه دوابهم فأطعموها حنطةً، ثم لقوه من الغد فانهزموا من عبد الواحد وعادوا إلى القيروان، وهلكت دوابهم بسبب الحنطة.
فلما وصلوها نظروا وإذا قد هلك منهم عشرون ألف فرس، وسار عبد الواحد فنزل على ثلاثة أميال من القيروان بموضع يعرف بالأصنام، وقد اجتمع معه ثلاثمائة ألف مقاتل، فحشد حنظلة كل من بالقيروان وفرق فيهم السلاح والمال، فكثر جمعة، فلما دنا الخوارج من عبد الواحد خرج إليهم حنظلة من القيروان واصطفوا للقتال، وقام العلماء في أهل القيروان يحثونهم على الجهاد وقتال الخوارج ويذكرونهم ما يفعلونه بالنساء من السبي وبالأنباء من الاسترقاق وبالرجال من القتل، فكسر الناس أجفان سوفهم، وخرج إليهم نشاؤهم يحرضنهم، فحمي الناس وحملوا على الخوارج حملة واحدة وثبت بعضهم لبعض، فاشتد اللزام وكثر الزحام وصبر الفريقان، ثم إن الله تعالى هزم الخوارج والبربر ونصر العرب، وكثر القتل في البربر وتبعوهم إلى جلولاء يقتلون، ولم يعلموا أن عبد الواحد قد قتل حتى حمل رأسه إلى حنظلة، فخر الناس الله سجداً.
فقيل: لم يقتل بالمغرب أكثر من هذه القتلة، فإن حنظلة أمر بإحصاء القتلى، فعجز الناس عن ذلك حتى عدوهم بالقصب، فكانت عدة القتلى مائة ألف وثمانين ألفاً، ثم أسر عكاشة مع طائفة أخرى بمكان آخر وحمل إلى حنظلة فقتله، وكتب حنظلة إلى هشام بن عبد الملك بالفتح، وكان الليث بن سعد يقول: ما غزوة إلى الآن أشد بعد غزوة بدر من غزوة العرب بالأصنام.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة غزا معاوية بن هشام الصائفة اليسرى، وغزا سليمان بن هشام الصائفة اليمنى من نحو الجزيرة وفرق سراياه في أرض الروم.
وحج بالناس هذه السنة خالد بن عبد الملك. وكان العامل على مكة والمدينة والطائف محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي، وعلى أرمينية وأذربيجان مروان بن محمد.
وفيها توفيت فاطمة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب. وسكينة بنت الحسين. وفيها مات عبد الرحمن بن هرمز الأعرج بالإسكندرية. وفيها توفي ابن أبي مليكة، واسمه عبد الله بن عبيد الله بن أب مليكة. وأبو رجاء العطاردي. وأبو شاكر مسلمة بن هشام بن عبد الملك. وفيها توفي ميمون ابن مهران الفقيه، وقيل سنة ثماني عشرة. وفيها توفي نافع مولى ابن عمر، وقيل سنة عشرين. وفيها توفي أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم، وقيل سنة عشرين، وقيل سنة ست وعشرين، وقيل سنة ثلاثين. وفيها ماتت عائشة ابنة سعد بن أبي وقاص. وسعيد بن يسار.
وقتادة بن عامة البصري، وكان ضريراً، ومولده سنة ستين. ثم دخلت:

.سنة ثماني عشرة ومائة:

في هذه السنة غزا معاوية وسليمان ابنا هشام بن عبد الملك أرض الروم.

.ذكر دعاة بني العباس:

في هذه السنة وجه بكير بن ماهان عمار بن يزيد إلى خراسان والياً على شيعة بن العباس، فنزل مرو وغير اسمه وتسمى بخداش، ودعا إلى محمد بن علي، فسارع إليه الناس وأطاعوه، ثم غير ما دعاهم إليه وتكذب وأظهر دين الخرمية ودعا اليه ورخص لبعضهم في نساء بعض، وقال لهم: إنه لا صوم ولا صلاة ولا حج، وإن تأويل الصوم أن يصام عن ذكر الإمام فلا يباح باسمه، والصلاة الدعاء له، والحج القصد إليه، وكان يتأول من القرآن قوله تعالى: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وهملوا الصالحات}. وكان خداش نصراينياً بالكوفة فأسلم ولحق بخرايان.
وكان ممن اتبعه على مقاتله مالك الهيثم، والحريش بن سليم الأعجمي وعغيرهما، وأخبرهم أم محمد بن علي أمر بذلك.
فبلغ خبره أسد بن عبد الله، فظفر به، فأغلظ القول لأسد، فقطع لسانه وسمل عينيه وقال: الحمد الله الذي انتقم لأبي بكر وعمر منك! وأمر يحيى ابن نعيم الشيباني فقتله وصلبه بآمل، وأتي أسد بجزور مولى المهاجر بن دارة الضبي فضرب عنقه بشطاء النهر.

.ذكر ما كان من الحارث وأصحابه:

وفي هذه السنة نزل أسد بلخ وسرح جديعاً الكرماني إلى القلعة التي فيها أهل الحارث وأصحابه، واسمها التبووشكان من طخارستان العليا، وفيها ينو برزى التغلبيون أصهار الحارث، فحصرهم الكرماني حتى فتحها فقتل بني برزى وسبى عامة أهله من العرب والموالي والذرادي وباعهم فيمن يزيد في سوق بلخ، ونقم على الحارث أربعمائئة وخمسون رجلاً من أصحابه، وكان رئيسهم جرير بن ميمون القاضي، فقال لهم الحارث: إن كنتم لا بد مفارقي فاطلبوا الأمان وأنا شاهد فإنهم يجيبونكم، وإن ارتحلت قبل ذلك لم يعطوا الأمان. فقالوا: ارتحل أنت وخلنا. وأرسلوا يطلبون الأمان، فاخبر أسد أن القوم ليس لهم طعام ولا ماء، فسرح إليهم أسد جديعاً الكرماني في ستة آلاف، فحصرهم في القلعة وقد عطش أهلها وجاعوا، فسألوا أن ينزلوا على الحكم ويترك لهم نساءهم وأولادهم، فاجابهم، فنزلوا على حكم أسد فأرسل إلى الكرماني يأمره أن يحمل إليه خمسين رجلاً من وجوههم فيهم المهاجر بن ميمون، فحملوا إليه، فقتلهم وكتب إلى الكرماني أن يجعل الذين بقوا عنده أثلاثاً، فثلث يقتلهم، وثلث يقطع أيديهم وأرجلهم، وثلث يقطع أديهم، ففعل ذلك الكرماني وأخرج أثقالهم فباعها. واتخذ أسد ميدنة بلخ داراً، ونقل إليها الدواوين، ثم غزا طخارستان قم أرض جبوية فغنم وسبى.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة عزل هشام خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم عن المدينة واستعمل عليها خالد محمد بن هشام بن إسماعيل. وفيها غزا مروان بن محمد بن مروان من أرميننية ودخل أرض ورنيس إلى الخزر ونزل حصنه، فحصره مروان ونصب عليه المجانيق، فقتل ورنيس، قتله بعض من اجتاز به وأرسل رأسه إلى مروان، فنصبه لأهل حصنه، فنزلوا على حكمه، فقتل المقالتلة وسبى الذرية.
وفي هذه السنة مات علي بن عبد الله بن عباس، وكان موته بالحميمة من أرض الشام وهو ابن سبع أو ثمان وسبعين سنة، وقيل: إنه ولد في الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب، فسماه أبوه علياً، وقال: سميته باسم أحب الناس إلي، وكناه أبا الحسن، فلما قجم على عبد المكل بن مروان أكرمه وأجلسه معه على سريره وسأله عن كنيته، فأخبره، فقال: لا يجتمع في عسكري هذا الاسم والكنية لأحد، وسأله: هل ولد لك ولد؟ قال: نعم، وقد سميته محمداً قال: فأنت أبو محمد.
وحج بالناس هذه السنة محمد بم هشام بن إسماعيل، وكان أمير المدينة، وقيل: كان هذه السنة على المدينة خالد بن عبد الملك، وكان على العراق والمشرق كله خالد القسري، وعامله على خراسان أخوه أسد، وعامله على البصرة بلال بن أبي بردة، وكان على أرمينية مروان بن محمد بن مروان.
وفي هذه السنة مات عبادة بن نسي قاضي الأردن. وعممرو بن شعيب ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العباس، ومات بالطائف. وأبو صخرة جامع بن شداد. وأبو عشابة المعافري. وعبد الرحمن سليط ثم دخلت: